سيميائية المقدمات و العناوين في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية (1920-194
« أحمد بن مصطفى، الفارس »، »بولنوار… »، »زهرة زوجة المنجمي »، »مريم بين سعف النخيل »و « العلج أسير الرابرة ». ا ترى ما تأويل هذه العناوين المترجمة من اللغة الفرنسية التي كانت المنفذ الوحيد بالنسبة للرواءيين الجزائريين الأوائل الذين حاولوا كسر جدار الصمت من أجل ايصال صوت الجزائر المستعمرة (بفتح الميم) الى القراء المفرنسين و بالأخص منهم الفرنسيين الأصليين المتواجدين ما وراء البحر.
. سيميائية العناوين و المقدمات في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية (1920-1945م.)
( الأستاذ : مومن سعد، جامعة ابن خلدون – تيارت-)
-أ- العناويـــين
المعلومات الخارجية التي تحيط بالعمل الأدبي وتمدده هي كثيرة وذات مشارب متنوعة وهذه بعض الأمثلة: العنوان، اسم الكاتب، المقدمة، الإهداء، الرسوم البيانية، الملاحظات، عنوانين الفصل وحتى اسم الناشر. يميز جينات بين نوعين من المعلومات بحسب معيار تواجدها داخل النص أو خارجه( ).
وعلى العموم، ومن خلال هذه العناصر يقوم كاتب الرواية بنجدة القارئ بالإشارة إلى طريقة القراءة المواتية لاستيعاب عمله. كما بإمكانه أيضا، وعكس ما سبق، أن يخلط الأوراق ويوجه القارئ نحو مسالك يناقضها فيما بعد النص الأدبي نفسه أو بينهما » معاهدة المطالعة » التي تساعد القارئ في التمركز في المنظور المناسب لاستقبال عمل أدبي، في هذا القسم من دراستنا، سنولي اهتماما بالجانب الخارجي، وبالتحديد بالعنصرين اللذان يلعبان دورا أساسيا في معاهدة المطالعة الروائية: العنوان والمقدمة أو التوطئة.
ومن المناسب التحقق فيما بعد إذا كانت معاهدة المطالعة التي تتطور من خلال العناصر المختلفة لمحيط النص الخارجي قد تم احترامها في الرواية، أو هل شابها تشوه أو حادث عن إثباتاتها أولية من الواضح أنه على مستوى المقدمة والتوطئات تكون حرية الكاتب أكثر عرضة للعرقلة بواسطة الرقابة الفعلية أو المفترضة. إنه وعلى هذا المستوى بالذات يؤدي الكاتب العربي أو البربري قسم الولاء للسلطة الاستعمارية المحلية، فضاء الرواية، مكان السرد الأدبي في حد ذاته، هو من الآن أكثر حرية وأقل خضوعا للمراقبة المباشرة للناشرين، ولكنه يحتفظ مع هذا وبصفة مستمرة بطابع ما يمكننا أن نسميه بالرقابة الذاتية لأوائل الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية، هذا الاختلاف في ظروف السرد، تفسر، جزئيا، الالتباسات والتناقضات التي نسجلها بين الخطاب المطور في المقدمات وذلك الذي يضم النص الأدبي تحديدا.
عموما يستعمل عنوان رواية للتعريف بها، لتسميتها ولتمييزها عن باقي الانتاجات المشابهة.ولكن وبالإضافة لهذه الوظيفة التعريفية، فإن العنوان يحمل في ثناياه جملة مهمة من المعلومات الموجهة للقارئ من طرف الكاتب، والتي تبرمج في قسم كبير استقبال النص، ينتمي العنوان إلى هذه المجموعة من العناصر ذات المدلول التي تواكب وترافق النص الأدبي، أهمية العنوان في علاقة القارئ بالنص واضحة وأكيدة، لا يستدعي الأمر تبيانها، بالنسبة لأوائل الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية، اختيار العنوان كان يكتسي أهمية خاصة لأن حسن اختيار العنوان يجلب انتباه القراء المحتمل وجودهم بقوة وحثهم على القراءة، بالمقابل، إذا كان العنوان أرعنا يواجه الكتاب خطر رفض مؤلفه من طرف الناشر أو أن يتجاهله الجمهور المراد بالكتابة، كان كتاب مدونتنا إذن مرغمين على اختيار عنوان يسترعي انتباه وإعجاب الفرنسيين القاطنين في فرنسا وحتى أولائك الذين يعيشون في الجزائر والذين يظنون أن الحوار معهم ممكنا، إذا كان العنوان منفرا ويلغي هكذا عقد القراءة، لا تصل الرسالة إلى المقصود بها ( المرسل إليه)، وبهذا يفقد عقد القراءة علة وجودة، وبالفعل فبالنسبة لكاتب رواية الأطروحة الذي يهم قبل كل شيء هو التمكن من إيصال الرسالة إلى القراء الذين يعاصرونه، عند كتاب مدونتنا الاعتبارات المتعلقة بالجانب الجمالي تكون ثانوية، في عقد القراءة،الوظيفة الشاعرية للنص تبقى رهينة دوما بالوظيفة الإعلامية، الوظيفة الإغراءية للعنوان ستكون إذن ذات أهمية أساسية في أولى الروايات لهذا النوع من الأدب الذي يريد أن له فضاء في السياق الأدبي في الجزائر سنوات ما بين الحربين.
يتبع كل واحد من عناوين روايات مدونتنا حرفيا هذا الرسم نفسه والذي يشمل على قسمين: اسم يشير إلى بطل العمل الروائي متبوع بجملة اسمية التي تميزه وتعطي معلومة عن مساره، يتعلق الأمر وفي كل الحالات، بعنوانين موضوعيه التي تشير إلى محتوى النص الذي يتبع، إنهم أيضا، باستثناء وحيد، عنوانين بمعنى حرفي، يعيدنا إلى الموضوع الجوهري أي إلى البطل الرئيسي للحبكة الروائية الاستثناء تشكله. زهرة، زوجة عامل المنجم حيث أن المسماة في العنوان لا يمكن التعرف عليها بوضوح في.مايلي على أنها الفاعل الجوهري للفعل.
وعلى العموم فإن الفاعل الرئيسي يوضع في المقدمة منذ الوهلات الأولى، يتجه انتباه القارئ طبيعيا نحو البطل ونحو المسار الذي يأخذه في هذه الروايات ذات التوجه البيداغوجي القوي، نحاول أن نصنع صورة ومسارا للذي تكون له القدرة في انجاز تقارب بين الشعبين الذين يعيشان على أرض الجزائر، الاسم الذي نعطيه لهذه الشخصية الرمزية يكون ذا معنى بليغ وينتمي إلى مجموع الرسالة التي نريد إيصالها، الاسم الذي يؤخذ يكون ذا دلالة قوية فيما يتعلق بهويته، أو على الأقل عن الهوية التي يريد الكاتب إبراز ها في الحياة الطبيعية، عندما يريد الآباء اختيار اسم لابنهما فإنهما لا يعرفان بعد الشخصية التي سيكون عليها، وعلى الأقل تكون لهما فكرة عن التربية التي يريدان توفيرها له، وعن الحياة التي يتمنيانها له. الأمر مغير تماما فيما يتعلق بالروايات، حيث أن الكاتب الذي يختار الأسماء هو في نفس الوقت السيد الفعلي للمسار وللشخصيات، إذن فإن الاسم هو العنصر الأول الذي يتم التفكير فيه وبنائه للبطل وعن الهوية التي يحاول الكاتب إظهارها من خلال عمله.
في الرواية الاستعمارية، لا تشغل الشخصية المنحدرة من الأهالي إلا دورا ثانويا ولا يستعان به إلا من أجل إصباغ قليلا من اللون على الأحداث، بداية لا يظهر أبدا في عنوان الروايات ليبقى دوره ثانويا وإلى الأبد، إنه و بداية من السنوات العشرين فقط بدأت تنشر روايات بعنوانين تحمل اسما لبطل عربي أو بربري، بداية في الأعمال التي تكتب بالتعاون، ومن ثم في غيرها أيضا .
تشهد هذه العناوين بداية بالاهتمام و حتى الانبهار الأدبي أحيانا الذي كان موضوعه الإنسان الأصلي للبلد والذي كان متجاهلا ومهملا إلى حد الساعة ولكن نتيجة نوع من التفتح لدى قسم من المفكرين في الجزائر الفرنسية.
بعد هذا الوصف الممزوج في الغالب بمسحة غربية (exotisme) الذي يصبغه المستعمر على الإنسان المنحدر من الأهالي، بدأ المستعمر من التحدث عن أنفسهم بلغة الآخر ولكن بكلماتهم الخاصة.
تبدأ روايات مدونتنا ومن دون استثناء باسم أو لقب عربي. للروايات الأربع لدينا اسمين مؤنثين. » زهرة ومريم » واثنان تذكير: » أحمد بن مصطفى » » العلج »، دراسة الألقاب يجب أن تتزامن أساسا مع فحص مسارات الشخصيات التي تحملها ولكن بعض الملاحظات تبدو لنا منطقية في هذا المستوى من المقاربة، بداية، وجود بطلتين من بينالستة أبطال تبدو لنا مذهلة نوعا ما بالنسبة لثقافة متأثرة بقوة بشرائع الإسلام المالكي حيث حقوق وواجبات النساء تتناقض واتجاه هاته الأخيرات نحو التظاهر والتفاخر والتباهي. تبقى « زهرة » مختفية نوعا ما طيلة أطوار الرواية ليطابق تصرفها ما ننتظره من امرأة متزوجة في العالم الإسلامي في المغرب، إنها تجسد المرأة العربية، مطيعة ورزينة دوما، محافظة على التقاليد ووفية لزوجها ولثقافتها. في القصة، يمكننا القول بأنها ليست هي التي تشغل مقدمة الأحداث إنه زوجها » ملياني » الشخصية المركزية التي تبني حولها العقدة الروائية، إذا كان القاص قد اختارها ليعطي اسمها لعنوان الرواية لسبب وهو أن مسارها يتميز بالايجابية على النقيض من زوجها الذي يتعاطى شرب الخمر، والانحراف الأخلاقي، اتخاذ موقف غير مصرح للكاتب الذي من خلاله يحكم على مسار ملياني ليضع في المقدمة وينوه بمسار زهرة وبالرغم من أنها تموت عند نهاية القصة إلا أنها هي، في نظر القاص التي تستحق احتراما وثناءنا.
» من كان لا يعرف في مليانة، صبر زهرة، استعفافها وشجاعتها ! » .
وعلى النقيض من زهرة، بطلة رواية محمد ولد الشيخ، تتمرد « مريم » على المحرمات وتوصيات التقاليد وعلى أمها المسلمة، إنها من الآن ثمرة هذا الاختلاط بين الأجناس الذي ينوه به الكاتب والذي يريد أن يظهره من خلال عمله. إذا كان العنوان زهرة زوجة المنجمي » لا يستحضر، ومن الوهلة الأولى إلا « جرمينال » جزائري، « مريم بين النخيل »، يسوق من جانبه وعلى مستوى ضمني جرعة جيدة من الأغاربة ممزوجة بمسحة من الحسية الجسدية. يستهوي هذا العنوان انتباه الجمهور المتعطش لمغامرات جديدة ومتفتحة على الفضاءات السرية لعالم المشرق ولكن اهتمام القارئ العارف بحقائق الإسلام سيتنبه بواسطة هذا العنوان الذي يحيل عن غير قصد ربما إلى مقطع من القرآن الكريم، بالنسبة للمسلمين مريم هي أم المسيح عيسى عليه السلام، أحد رسل الله وتتطابق مع « ماري » عند المسيحيين، اختيار هذا الاسم للشخصية الرئيسية في الرواية يصور بوضوح إرادة الكاتب في إيجاد أماكن التقاء بين الغالمين المتواجدين على ارض الجزائر، وإيجاد شخصيات تكون مقبولة من الطرفين والتي تصور التعايش الممكن ما بين الشعبين.
يمكن ترجمة هذا الاختيار على انه رغبة في إيجاد ما هو مشترك بين التقاليد الموجودين على أرض الجزائر: المسلمة والمسيحية، ولكن وعكس التقاليد المسيحية التي بموجبها يرى المسيح النور في إسطبل، يضع القرآن هذا الميلاد تحت نخلة .
هذا القسم الثاني من العنوان لا يدع مجالا للشك: « مريام » التي تتحدث عنها الرواية ليست تلك التي نصادفها في الأناجيل بل تلك التي يتحدث عنها القرآن، هنا يكون مسار البطلة واضحا: برغم تربيتها الفرنسية واللائكية، تختار مريم زوجا لهان أستاذها للغة العربية لتعود هكذا إلى عالمها المسلم، الاسم العربي لأخيها، الشخصية الثانية في الرواية، له دلالته أيضا. كما يشير إلى ذلك أحمد الأنصاري .
حفيظ اسم شكل من الفعل الذي يعني باللغة العربية » يحرس يحتفظ، يصون » نكتشف هنا رغبة الم، ورغبة القاص أيضا في المحافظة عل الشخصية المسماة هكذا داخل هوية الأم.
نجد هذه الحاجة لتسمية الأبطال الرموز ومنذ البداية كذلك في الروايات التي أبطالها ذكور. أحمد، العلج، وفي هذا الصدد أشار جان ديجو بخصوص رواية » العلج أسير البربر » إلى توضيح حول دلالة اللفظ » علج » بالعربية والذي يعني » حمار الوحش » حيوان قوي البنية أو فظ وخشن عندما يتعلق الأمر بالمعاملة عند الإنسان .
أما في اللهجة المغربية المتداولة آنذاك، فإن اللفظ كان ينعت به كل شخص لا ينتمي إلى الأصول العربية وإلى غير المسلم أي من كان في حالة ( بر بر) أي دون أي ديانة، و تلك هي مشكلة « برنار لوديو » (Bernard Ledieux) الشخصية الرئيسية للرواية بحيث أنه من أجل الحصول على حريته وتحسين وضعه المادي ليعود ويرتد بعدما عاش مدة طويلة في صراع وعذاب دائمين مع ضميره كونه لم يعتنق الإسلام إلا ظاهرا لينتهي مساره بالجنون ثم الموت فالبطل العلج إذا هو الشخصية المنبوذة من طرف الراوي الذي يدفع به في مسار نموذجي سلبي بداية من اختيار الاسم (علج) أي كل من يتخلى عن ديانته فهو بربر متوحش. للإشارة، فهذه الرواية الوحيدة ضمن مدونتنا التي نتكلم مباشرة عن إشكالية الإندماج الديني لكن الرفض القوي للتخلي عن الدين هو السمة المميزة والثابتة في عناصر الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية.
عنوان الرواية الجزائرية الأولى باللغة الفرنسة، أحمد بن مصطفى، يتبع نفس هذه الرغبة في تقديم بطل رمز. في هذه الرواية التي تحكي السيرة الذاتية لمحمد بن شريف، لا يحمل البطل نفس اسم صاحب العمل الأدبي. ولكن الاسم المختار يبقى قريبا من اسم الكاتب، بالفعل يتعلق الأمر في كل مرة، في الواقع وفي الخيال بأسماء مختلفة للرسول الكريم، مصطفى هو أيضا اسم من أسماء محمد –صلى الله عليه وسلم- ويعني » المختار » الذي أصطفي من بين الجميع على أنه الأحسن، كل مسار البطل مليء بهذه القناعة على أنه مستدعي إلى شيء استثنائي إلى هذا الإحساس بالتفوق على باقي الشخصيات المحيطة به وزيادة على ذلك فإن كتابة العنوان الرئيسي للرواية يحتوي على عنصر آخر محير يستلفت انتباه القارئ بأنه يمسك بين يديه رواية تحكي مغامرات فريدة من نوعها، كتبها شخص فريد من نوعه، ومن جهة أخرى، يلمح « بن مصطفى » إلى سلالة تنحدر من النبي ليشير من جهة أخرى أن الأمر يتعلق بقايد للقياد، فعلا، فإن الكاتب كان « قياد » لأولاد سي امحمد، ولكن وبحسب معرفتنا فإن هذه التسمية « قايد للقياد » لا تتطابق مع أي منصب من المناصب المعروفة لتلك الفترة، وللصمود أمام اختبار الخيال ولشد انتباه القارئ المحتمل يفعل الكاتب كل ما في وسعه ليضفي على روايته صبغة الجاذبية، لتبدأ عملية الإغراء من الصفحة الأولى.
يبدأ الروائي الجزائري باللغة الفرنسية ومنذ الكتابة الأولى ومنذ العنوان الأول تقديم شعبه واثبات خصوصيته الثقافية والدينية، الرواية الاستعمارية وبخاصة عمل لويس برتراندعلى وضع صورة للمعمر المصلح، للشعب الجديد الذي يولد في البوادي الجزائرية، تشكل روايات مدونتنا إجابة غير واعية في بدايتها ومن ثم لتزداد وعيا يوما بعد يوم بالأغلبية العربية أو البربرية بالإهمال وحتى الإنكار الذي تواجه به في التصوير الروائي الاستعماري تعبر هذه العنوانين وهاته الروايات عن الحاجة التي يصعب تجنبها لكل شعب ليصنع لنفسه أبطالا من خلال الخيال الأدبي، ونتيجة لذلك، فإن إحدى الحوافز الأولى لكتابنا هي قولهم للمستعمر ما هي حقيقة الرجل العربي أو البربري، يتعلق الأمر بتقديمنا للآخر بالشكل الذي نصنع به أنفسنا من خلال وصف يتم من الآن و صاعدا من الداخل وليس من الخارج كما كان عليه الأمر لحد الساعة، وفي نفس الوقت الرفع من قيمة الرجل والمرأة العربيين والبربريين الذين لهم المقدرة على القيام بالمهام والوظائف المنوطة بالشخصيات المعتادة في الروايات، ممثلو الفعل الروائي، يمتلكون جذورا وهوية خاصة، يتوجهون نحو مثل أعلى ملموس نوعا ما ويناضلون عن وعي من أجل الوصول إلى أهدافهم، تتجذر أسماؤهم في العالم العربي والبربري للجزائر، أنهم الأبناء الحقيقيون لشمال افريقيا.
ب- المقدمات
تعد المقدمة بالإضافة إلى عنوان الرواية، عنصرا مصاحبا للنص ذي أهمية قصوى.لقد أولى أوائل الروائيين الجزائريين باللغة الفرنسية أهمية خاصة عند استلام أعمالهم وهذا ما يفسر الكم الهائل للمقدمات التي تصاحب روايات المدونة، يتعلق الأمر بتقديم تحفيزات التي تقف وراء الإجراء الكتابي، التعقيب على اختيارات الكاتب وتوجيه استلام العمل الأدبي، كما نظن أنه من الواجب الشرح للقارئ لم وكيف عليه قراءة العمل الذي يلي، فمن بين الروايات موضوع دراستنا واحدة فقط لم يسبقها نص توضيحي أو تمهيدي محرر من طرف المؤلف نفسه، يتعلق الأمر بالعلج أسير البرابرة. ثم التقديم للأخر بواسطة مقدمات أصلية من تحرير أصحاب الروايات أنفسهم حين الإصدار الأول للرواية، روايتان مسبوقتان بمقدمات من تحرير أشخاص آخرين حين صدور الرواية والهدف الرئيسي من ورائها التقديم والتوصية باقتناء الكتاب، سنبدأ بدراسة المقدمات (Auctoriales) التي حررها الكتاب أنفسهم يتعلق الأمر بـ: أحمد بم مصطفى قوسيي، مريم بين النخيل، وبولنوار الشاب الجزائري. وصف » جينات » الذي يلي سيكون بمثابة قاعدة لدراسة المقدمات الأصلية » المقدمة الأصلية التصاعدية والمحررة من طرف الروائي نفسه (….) دورها الأساسي ضمان قراءة جِيدة للنص، هذه الصيغة المبسطة هي في الواقع أكثر تعقيدا مما يبدو بحيث أنها تدرس بحسب إجراءين: الإجراء الأول يشترطها من دون ضمانها، والثاني كشرط ضروري وغير كافٍ، 1 الحصول على قراءة و2 الحصول على قراءة جيدة. »
المهمة الأولى للمقدمة تفترض نوعا من طرف الروائي. بالفعل، فكيف يمكن تقييم النص والحصول على قراءة للعمل الروائي، مع الاحتفاظ بنوع من التواضع حتى لا ينزعج القارئ من خلال تقييم فاضح لشخصيته؟ عند كتابنا، يكون هذا التواضع طبيعيا مصحوب بحاجة لشرح الدوافع التي تقف وراء الكتابة.نطلب العفو لأخذ الجرأة والتحدث بلغة الآخر أو الأخطاء الواردة في الكتابة. نظام تبرير شخصي للكتاب الذين يشكون في الترحيب الذي ستلاقيه أعمالهم والمتخوفون من رفض دور النشر عند كتابة المقدمات خصوصا ومجمل أعمالهم الأدبية عموما تبقى هيئة الكتاب محددة في جزء كبير منها بالشك والخوف من الرفض، نظن أن الالتباسات والتناقضات التي تكثر في روايات المدونة تندرج بعمق في الحالة النفسية التي يكتسيها الخوف عند كتابة الرواية.
« ….أريد وبكل بساطة أن أدخل الفرحة في قلوب رواد التقارب الفرنسي مع المسلمين بإهدائهم هذا العمل المتواضع،(….) ولذا أعتذر لدى القارئ للأخطاء والمساوئ التي قد يجدها وأستجدي عفوه ورحمته »
الشك الذي يساور الخطاب المساق بالفعل الروائي، وكذا الشك الذي يحيط بالحكم الذي من المحتمل أن يوقع على الكتابة والأسلوب و حتى التأليف، هذه الحالة النفسية المصبوغة بالخوف كان لها تأثيرها على الإبداع الأدبي باللغة الفرنسية لهذا الجيل. نحس من خلال الكتابة بحاجة ماسة للرغبة في توضيح وتبرير المواقف وفي طلب العفو بعد الجرأة بالإباحة لنفسه بأخذ الكلمة.
ودائما وفي إطار الدفع نحو القراءة ولكن بمنظور أكثر ايجابية، نوضح الأسباب التي تدفع نحو الكتابة، بالتأكيد غالبا نحو الجدوى من الإنتاج الأدبي.
» كتبت من أجل تمجيد أمة عرفت كيف توقظ الحمية البطولية لشعب كان يغوص قبلها في نوم عميق. »
نجد نفس الحاجة الماسة في التبرير وشرح الأسباب والدوافع التي تقف وراء الكتابة في مقدمة عمل سابق لنفس الكاتب، يتعلق الأمر بسرد لسفر طويل، حج إلى البقاع المقدسة، من المهم رؤية في هذه المقدمة التي لا تمهد لعمل « روائي خيالي، كيف أن بن شريف يستعمل نفس الصيغة في التبرير بالضبط. نجد نفس التطور تحديدا، الحاجة في التعبير عن الذات من الوهلة الأولى وضرورة تحديد الجمهور المقصود بالكتابة.
« كتبت هذا العمل إلى أولائك الذين مثلي قاموا بهذه الرحلة الشعائرية والذين اقشعرت أبدانهم وارتجت قلوبهم بأسرار مدننا المقدسة. (…) كتبت للذين لم يرتووا بعد من الينابيع الحية من حيث يأتي إيماننا، والذين من دون شك سيلتحقون بها في يوم ما. (…) ولكني كتبت على وجه الخصوص لأولئك الذين ورغم أنهم غرباء عن ديننا ونبينا المعظم، إلا أنهم مولعين وشغوفين بالإسلام. »
هذا هو المقصود بأوائل الروائيين الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية قراء مفتونون بسحر الشرق، الذين يجرؤون على القيام بسفر في عالم الآخر وليس مع مرشد يمتلك نفس المعالم ولكن مع شخص من الضفة الأخرى، لو أننا حاولنا القيام بالمغامرة، يؤكد كاتبوا المقدمات بأننا سنقوم باكتشافات غير مسبوقة، » بولنوار ليست رواية للتسلية والمرح، إنها أيضا دراسة للعادات العائلية في المجتمع الإسلامي الجزائري »
قراءة المقدمات، إنه من الواضح أن البحث عن الهدف الرئيسي من هذه الإبداعات الأدبية لن يكون في الجانب المسلي ولكن في الجانب التعليمي أهمية الوظيفة التعليمية لهذه الروايات بالذات تظهر منذ الأسطر الأولى. الجدوى من هذه الروايات تكمن بحسب الروائيين في قدرتها في النقل إلى المستوى الخيالي، مميزات المجتمع المسلم، العربي والمسلم، نريد بهذا أن نظهر لفرنسيي الجزائر وفرنسا على حد سواء صورة أكثر صدق عن الواقع الجزائري والتي لم تقدم لحد الآن إلى الجمهور من وجهة نظر أحادية، فبالإضافة إلى الإظهار الصادق لهذا العالم الغريب للقراء باللغة الفرنسية، يريد الكتاب أن يوضحوا إمكانية وضرورة تعاون أكثر تنسيقا بين المستعمِرين والمستعمَرين، الهدف النهائي، الفائدة للأعمال على المدى البعيد تقاس بمدى قدرتها على التقارب بين العالمين الحاضرين على أرض الجزائر.
مسألة الإدماج أو مسألة الأهالي شكلت جزءا من الحياة السياسية اليومية للجزائر في السنوات العشرين والثلاثين من القرن الماضي، تعمقت هذه الكتابات في اليوميات المستعجلة للمرحلة تترجم كردود للكتاب على الأسئلة المطروحة لمائة سنة من العيش المشترك في الشمال الإفريقي، وهو ما تؤكده المقدمات: الفائدة المرجوة من الرواية التي ستقرؤونها هي اقتراح حلول جدية لمشاكل استعمار.
« إنها دراسة سوسيولوجية للمشكل الجزائري الذي يدور من دون شك حول »مسألة الأهالي ». (….)، هل بالإمكان تحقيق الحلول الموصوفة في هذا المؤلف؟ إن الحلول المقترحة مهمة في المحافظة على المصالح العليا لفرنسا وبخاصة بعدم المساس بسيادة فرنسا على هذا البلد »
خطاب الموالاة القصرية باتجاه النظام القائم يشغل وظيفة مزدوجة. يوقظ انتباه القارئ المهتم بمستقبل الوجود الفرنسي في الجزائر من جهة، كما يحذر من المخاطر التي تحدق بالبلد إذا لم تطبق الحلول المقترحة في الكتاب من جهة أخرى، وهكذا، فإن هذه المقدمة تقوم بمهمتين رئيسيتين من هذا النوع. الحصول على القراءة مع إيقاظ الانتباه، وتوجيه هذه القراءة مع النصح بانجاز الرؤى المقترحة في النص الذي يلي، الرسالة المضمرة في الجملة الأخيرة تشهد على شجاعة الكاتب، الذي يتجرأ على الحديث عن مسائل خطيرة للمرحلة في حين أن كثيرا من معاصريه تجنبوا الخوض فيها.
1 – الكلمات المفتاحية :
توطئة – عناوين – مقدمات – هوية – مرسل – مستقبل – عقد قراءة – تأويل.– ادماج –مقاومة– استعمار.
2 – مــلــخــــــــــــــص الـــــهــــــــــــــــــــوامــــــــــــــــــــــــش.
GENETTE, Gérard, « Seuils », Paris, Editions du seuil, collection poétique, 1987.
2 Exemple. DINET Etienne et BAAMER, Ben Ibrahim, « Khadra, la danseuse des OuledNaïl » Paris, Piazza, 1926 ( Roman de 263 pages).
3″Zohra, la femme du mineur, » P .241.
4تفسير القرطبي، سورة مريم (19) الآية 23-261، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الرغاية، الجزائر، 1991 الجزء 2، ص ص، 24، 26.
5LANASRI, Ahmed « Mohamed Ould Cheikh », un romancier algérien des années 30 face à l’assimilation , Lille 3, André Billaz, 1985, P. 121.
6DEJEUX , Jean « Le double désir du même et de l’autre chez les romancier de langue française de 1920 à 1945, In actes du congrès mondial des littératures de langue française », Padove,Mai 1983.
7GENETTE, Gérard,Seuils, Paris, Editions du seuil, « collection poétique », 1987, P. 183.
8″Myriem dans les palmes », avant-propos de l’auteur.
9″Ahmed Ben Moustapha goumier », préface par l’auteur.
10BENCHERIF,Mohamed, » Aux villes saintes de l’Islam », cité par Charles Bonn..
11″Bou El Nouar, le jeune Algérien », avant-propos de l’auteur.
12Idem.
29 août 2013
Culture, PRESSE ARABOPHONE, S.Moumen